مفاجآت غير سارة تتوالى على دعاة التطور
الأدلة الرئيسية التي يستشهد بها أنصار نظرية التطور، وهو وجود تشابه في الأخطاء الجينية بين القرود العليا والبشر. يستخدمون هذا التشابه، وخاصة الجين الزائف بيتا جلوبين (GULO)، كدليل على أن هذه المخلوقات قد تطورت من سلف مشترك قديم.
الجين الزائف GULO:
- الوظيفة الأصلية: يحمل هذا الجين اسم L-gulonolactone oxidase وهو مسؤول عن إنتاج إنزيم يلعب دورًا حيويًا في تصنيع فيتامين C.
- الطفرة: يعتقد العلماء أن هذا الجين قد تعرض لطفرة في الماضي، مما أدى إلى تعطله في القرود العليا والبشر.
- الاستنتاج: نظرًا لأن كل من الإنسان والشامبانزي والقرود العليا الأخرى لا تستطيع إنتاج فيتامين C محليًا، فإنهم يعتمدون على الحصول عليه من الغذاء. هذا العجز المشترك في إنتاج فيتامين C يُعتبر دليلًا على أنهم يشتركون في سلف مشترك، حيث ورثوا هذا الخلل الجيني من ذلك السلف.
لماذا يعتبر التطوريون هذا الجين "زائفًا"؟
- فقدان الوظيفة: الجين GULO في الإنسان والقرود العليا لا ينتج الإنزيم اللازم لتصنيع فيتامين C، مما يعني أنه فقد وظيفته الأصلية.
- الطفرات: يحتوي الجين على طفرات تجعله غير قادر على إنتاج بروتين فعال.
ما هي الجينات الزائفة؟
الجينات الزائفة هي مصطلح أُطلق على تسلسلات من المادة الوراثية التي تشبه جينات أخرى وظيفية، والاعتقاد السائد أنها لا تقوم بأي غرض وظيفي معروف، ومجرد بقايا وركام لأجزاء جينية غير قادرة على أداء وظيفتها بسبب أضرار طفرية مميتة أصابت بنيتها، واعتُبرت مجرد نسخ مصابة بأذى لجينات وظيفية عاملة.
استخدم أنصار التطور الجينات الزائفة كمدلول على ركام أو حطام تالف لجينات حية وظيفية كدليل تطوري، واعتبروه من أقوى دلائل التطور والسلف المشترك، باعتباره بقايا لجينات تلفت منذ زمن بعيد، واستُخدمت تلك الجينات الزائفة كأحافير (مستحاثات) جينية وراثية.
الجين الزائف GULO: هل هو حقًا "أيقونة تطورية"؟
يُعتبر الجين الزائف GULO من أكثر الأدلة التي يستشهد بها أنصار نظرية التطور والداروينية لإثبات صحة نظريتهم. في كتابهما "لغة العلم والإيمان"، يصف فرانسيس كولينز وكارل جايبرسون هذا الجين بأنه "كسر في الحمض النووي" أو "مُتَراكم"، ويقولان إن وجود هذا "الكسر" في الجين GULO يُعد دليلًا قاطعًا على أن الإنسان والقردة العليا ينحدرون من سلف مشترك.
يستند العالمان في استدلالهما هذا إلى فكرة مفادها أنه "من غير المعقول أن يتعمد الله إدخال قطعة من الحمض النووي المعطوب في جينومنا" (ص 49). لذلك، يرى كولينز وجايبرسون أن وجود جينات زائفة مثل GULO يدعم بقوة نموذج التطور من سلف مشترك، ويشير إلى أن هذه الجينات "نشأت بشكل قاطع بما يتناسب مع هذا النموذج" (ص 43).
محاكمة دوفر والجين GULO: شاهد على التطور؟
في عام 2005، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية محاكمة شهيرة عُرفت باسم "محاكمة دوفر". دارت هذه المحاكمة حول مدى قانونية تدريس "التصميم الذكي" كعلم في مدارس مدينة دوفر.
خلال المحاكمة، قدّم كينيث ميلر، أستاذ البيولوجيا بجامعة براون، شهادته كشاهد ضد تدريس التصميم الذكي. في شهادته، أشار ميلر إلى أن الجينوم البشري يحتوي على العديد من "الجينات الخردة" التي لا يبدو أنها تؤدي أي وظيفة.
الجين GULO كدليل على التطور:
اعتبر ميلر الجين GULO مثالًا بارزًا على هذه الجينات الخردة. ووصفه بأنه "مُتَراكم" أو "كسر في الحمض النووي" يحتوي على سلسلة من الطفرات الجزيئية التي تجعله غير وظيفي.
استخدم ميلر هذه النقطة للدفاع عن نظرية التطور، حيث قال إن وجود مثل هذه الأخطاء في الحمض النووي لا يمكن أن يكون من فعل "مصمم ذكي". وأشار إلى أن وجود نفس الطفرات في الجين GULO لدى الإنسان والقردة العليا يُعد دليلًا على أنهم يشتركون في سلف مشترك، تمامًا كما تنبأ تشارلز داروين قبل حوالي قرن ونصف.
اقتباس من شهادة ميلر:
"حقيقة أن هذه الأنواع الثلاثة تشترك في نفس الأخطاء الجينية يقودنا إلى استنتاج واحد فقط، وهو نفس الاستنتاج الذي توقعه تشارلز داروين منذ ما يقرب من قرن ونصف، وهو أن هذه الأنواع الثلاثة تشترك في سلف مشترك. الأخطاء المتطابقة هي دليل على الأصل المشترك."
And the fact that all three of these species have matching mistakes leads us to just one conclusion, and that's the same conclusion that Charles Darwin predicted almost a century and a half ago, and that is that these three species share a common ancestor. Matching mistakes are evidence of common ancest
تساؤلات حول أيقونة التطور: هل الجين GULO دليل قاطع على التطور؟
يثير الجين الزائف GULO تساؤلات هامة حول مدى اعتباره دليلًا قاطعًا على نظرية التطور. هذه التساؤلات تشمل:
- هل الجين GULO حقًا جين زائف؟ هل هو مجرد قطعة DNA خردة غير وظيفية كما يُزعم؟
- هل الأصل المشترك حتمي؟ حتى لو كان الجين GULO غير وظيفي، هل وجود "أخطاء مشتركة" فيه بين الإنسان والقردة العليا يدل بشكل قاطع على أنهم يشتركون في سلف مشترك؟
الإجابة على هذين السؤالين حاسمة، لأنها ستحدد مدى صحة استخدام الجين GULO كدليل على التطور.
دلائل على وظيفة الجين GULO:
تشير العديد من الدراسات إلى أن الجين GULO قد لا يكون غير وظيفي تمامًا كما كان يُعتقد سابقًا. هناك أدلة متزايدة على أن هذا الجين يلعب دورًا خلال مرحلة التكوين الجنيني، حيث يُساهم في إنتاج فيتامين C الذي يحتاجه الجنين.
أدلة مبكرة على وظيفة الجين GULO:
- إنتاج فيتامين C في الرحم: تشير بعض الأبحاث إلى أن الجنين البشري قد يكون قادرًا على إنتاج فيتامين C ذاتيًا داخل الرحم، مما يدعم فكرة أن الجين GULO قد يكون نشطًا خلال هذه المرحلة.
- ارتفاع مستويات فيتامين C: لوحظ ارتفاع في مستويات فيتامين C لدى بعض الأشخاص، لا يمكن تفسيره بالمدخول الغذائي وحده، مما قد يشير إلى إنتاج ذاتي لفيتامين C.
دراسة أندرسون وآخرون (1956):
في دراسة أجراها أندرسون وآخرون (1956) حول داء الإسقربوط الطفلي في جنوب أفريقيا، وُجد أن تركيزات حمض الأسكوربيك (فيتامين C) لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية كانت مماثلة لتلك الموجودة لدى الأطفال الذين يتغذون بشكل جيد. هذه النتيجة تشير إلى أن الأطفال قد يكونون قادرين على إنتاج فيتامين C حتى في حالة نقص المدخول الغذائي.
الإضافة إلى الأدلة السابقة، هناك دراسة أخرى أجراها Adlard وآخرون (1974) تشير إلى أن الجين GULO قد يكون له دور في مرحلة التطور الجنيني.
تركيزات فيتامين C في الدماغ الجنيني:
في هذه الدراسة، تم رصد تركيزات أعلى من المعتاد من فيتامين C في الدماغ البشري للجنين مقارنة بتلك الموجودة لدى البالغين. ولاحظ الباحثون أن هذه التركيزات العالية من فيتامين C في الدماغ الجنيني تنخفض تدريجيًا مع تقدم عمر الحمل
.http://adc.bmj.com/content/49/4/278.full.pdf
دليل آخر على وظيفة الجين GULO: تركيزات فيتامين C في بلازما الرضع
في عام 1984، قام Salmenpera بدراسة مثيرة للاهتمام حول مستويات فيتامين C في بلازما الرضع الذين يعتمدون على الرضاعة الطبيعية فقط كمصدر للتغذية.
ملاحظة مفاجئة:
أظهرت النتائج أن تركيز فيتامين C في بلازما هؤلاء الرضع كان تقريبًا ضعف تركيزه لدى الأمهات. وقد أرجع Salmenpera هذه الظاهرة إلى أسباب غير معروفة في ذلك الوقت.
https://ajcn.nutrition.org/article/S0002-9165(23)24504-9/abstract
فسير دور الجين GULO: آلية تحرير الحمض النووي الريبوزي RNA editing
الأدلة السابقة التي تم ذكرها سابقًا أقنعت العلماء بأن الجين GULO يلعب دورًا وظيفيًا هامًا في مرحلة التطور الجنيني داخل الرحم. وقد تمكن العلماء من تفسير هذه الظاهرة من خلال آلية "تحرير نصوص الحمض النووي الريبوزي" المعروفة باسم RNA editing.
آلية RNA editing:
تتكفل هذه العملية بتعديل نص الحمض النووي الريبوزي (RNA) بحيث يمكن ترجمته إلى بروتين وظيفي أو إيقاف هذه الترجمة. وُجد أن هذه العملية (RNA editing) تحدث على نطاق واسع وتؤثر على نسخ العديد من الجينات.
دور RNA editing في الجين GULO:
بالنظر إلى المستويات المرتفعة من فيتامين C التي تم العثور عليها في الأجنة البشرية (مستويات عالية جدًا بحيث لا يمكن تفسيرها من خلال المدخول الغذائي وحده)، فإن آلية RNA editing تساعد في تفسير كيفية قيام الجين GULO بوظيفته خلال مرحلة النمو الجنيني.
http://en.wikipedia.org/wiki/RNA_editing
http://www.plosone.org/article/fetchObject.action?uri=info:doi/10.1371/journal.pone.0001566&representation=PDF
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC38952/pdf/pnas01518-0318.pdf
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1440697/pdf/gut00226-0041.pdf
http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/0300908496881077
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3074146/pdf/gkq1227.pdf
الجين GULO: ليس "كسر DNA" بل يؤدي وظيفة هامة في تنظيم التعبير الجيني
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الجين GULO لا يقتصر دوره على مرحلة التكوين الجنيني وإمكانية تحرير النص الشفري الخاص به بواسطة آليات معينة. فقد كشفت دراسة حديثة أُجريت عام 2013 عن مفاجأة جديدة، وهي أن الجين GULO لا يُعتبر "كسر DNA" كما كان يُعتقد سابقًا، ولكنه في الحقيقة يؤدي وظيفة هامة في تنظيم التعبير الجيني.
الدراسة الحديثة:
قام الباحثون في هذه الدراسة بمتابعة نسخ من الجينات بيتا غلوبين (بما في ذلك نسخة جين يُدعى HBBP1) في مجموعة من البشر من مختلف أنحاء العالم، وقارنوها مع نفس النسخ المقابلة في مجموعات أخرى من الشمبانزي.
النتائج:
أظهرت النتائج وجود تباينات واختلافات ضئيلة جدًا بين النسخ في البشر والشمبانزي، وكانت هذه الاختلافات أقل مما هو متوقع لو كانت هذه الجينات غير وظيفية.
الاستنتاج:
استنتج العلماء من هذه النتائج أن الجين GULO يمتلك وظيفة حقيقية وحيوية داخل الجسم، ورجحوا أن تكون هذه الوظيفة هي تنظيم التعبير الجيني.
اقتباس من الدراسة:
"القيود الوظيفية القوية التي تقوم عليها قلة التنوع المعاصر في هاتين المنطقتين لم تكن مدفوعة بوظيفة البروتين، ولكن من المحتمل أنها تعود إلى دور تنظيمي في التحولات التكوينية للتعبير الجيني."
"the strong functional constraints underlying the decreased contemporary diversity at these two regions were not driven by protein function but instead are likely due to a regulatory role in ontogenic switches of gene expression."
أدلة إضافية على وظيفة الجين GULO: الانتقاء الطبيعي ودوره في الحفاظ على تسلسل الجين
من الأدلة الهامة الأخرى التي تدعم وظيفة الجين GULO، هو اكتشاف أن المناطق المجاورة للجين تُظهر مستويات عالية من التباينات والاختلافات بين العينات المختلفة، بينما يظل تسلسل الجين GULO نفسه ثابتًا نسبيًا. هذا يشير بوضوح إلى أن الجين GULO يخضع لعملية الانتقاء الطبيعي، حيث يتم اختيار الطفرات التي تحافظ على تسلسله ووظيفته، ويتم إزالة الطفرات الضارة.
دراسة Genom Biol Evol:
في دراسة نُشرت في دورية Genom Biol Evol، قام الباحثون بتحليل تسلسل الجينات بيتا غلوبين (بما في ذلك HBBP1) في مجموعة متنوعة من البشر والشمبانزي. ووجدوا أن التباين في المناطق المجاورة للجين كان أعلى بكثير من التباين داخل الجين نفسه.
"Taken together, the results obtained for the â-globin cluster cannot be reconciled with other explanatory hypotheses rather than purifying selection: the low values of nucleotide diversity are confined to HBD and HBBP1 and do not extend into the flanking regions which display contrastingly high levels of variation; the haplotype structure of HBD and HBBP1 are similar across worldwide populations"
دراسات أخرى تؤكد دور GULO في تنظيم الجينات:
لم تكن هذه الدراسة الأولى من نوعها، فقد سبقتها دراسات أخرى تؤكد مشاركة المنطقة الجينية التي تشمل GULO في تنظيم التعبير الجيني.
ورقة بحثية في بحوث الجينوم:
في ورقة بحثية أخرى نُشرت في دورية بحوث الجينوم، وجد الباحثون أن الجين GULO HBBP1 يرتبط مع DNase I hypersensitivity، وهي علامة تدل على أن المنطقة الجينية تحمل وظيفة تنظيمية.
ورقة بحثية أخرى في بحوث الجينوم:
في ورقة بحثية أخرى نُشرت أيضًا في دورية بحوث الجينوم، وجد الباحثون نتائج مشابهة، حيث ارتبط الجين GULO HBBP1 مع DNase I hypersensitivity، مما يدعم فكرة وجود وظيفة تنظيمية لهذه المنطقة الجينية.
خلاصة
مما سبق، يمكننا أن نؤكد بقوة أن الجين الزائف GULO ليس زائفًا بالمرة، بل هو جين وظيفي إن كان يُقصد بالمصطلح ما تم الإشارة إليه. وبذلك، فإن حجة كينيث ميلر الأكثر شهرة لنظرية التطور والداروينية ضد التصميم الذكي في محاكمة دوفر تسقط تمامًا في ضوء الأدلة الجديدة.
فقد اعتمدت حجة ميلر على كون الجين GULO "غير وظيفي"، وبنى عليه ادعاءه بأن الاختلافات الجينية بين هذا الجين وبين الجينات بيتا غلوبين التي ترمز للبروتين هي أخطاء طفرية أفسدته وجعلته مجرد ركام جيني من تلك الجينات، وأن اشتراك أنواع معينة في جينات مكسورة وبنفس الطفرات هو دليل حتمي على اشتراكها في سلف قديم وذلك باعتباره جينًا زائفًا.
ولكن في ضوء الدراسات الحديثة، تبين أننا لا نزال نقف على شواطئ فهم محيط شاسع لمصطلح أُطلق عليه الجينات الزائفة Pseudogenes، ولا زلنا نترك بحياء لمعرفة القليل عن طبيعة هذه الجينات ووظائفها التي تتكشف إلينا يومًا بعد يوم، فلا نمتلك حق الحكم على ما نجهله حقيقته كما تتحمل الدوجما التطورية عبء تعريف كل غامض في حمضنا النووي بالركام والخردة.
وإسقاطًا مباشرًا على الجين GULO، فإن هذه الأدلة الجديدة فتحت لنا مجالًا لفهم حقيقة أن تلك الاختلافات الوراثية ليست أخطاء طفرية على الإطلاق، وإنما هي خلق هكذا ليؤدي وظيفة، وعليه فإن حجة ميلر في شهادته قد انهارت مع حجته الأخرى المفضلة والتي ذكرها أيضًا في نفس الشهادة في أيام تالية عن اندماج الكروموسوم الثاني للبشر عن كروموسوم السلف القريب بعد الانفصال عن الشمبانزي، والتي تم مراجعتها من فريق علمي رفيع المستوى وأظهر ما حدث بها من تدليس لا يمكن تجاوزه في قراءة البيانات واستقرائها المنحاز على تلك الكروموسومات.
وختامًا، يمكننا القول إن عامي 2012 و2013 قد حملوا مفاجآت صادمة وغير سارة لأنصار التطور، فمع تساقط أهم ادعاءات التطوريين في محاكمة دوفر وفقًا لما تم اكتشافه من معطيات، فإن مسار هذه المحاكمة كان ليختلف تمامًا عما سار إليه بعام 2005 بإعادة صياغة وتقويض اثنين من أشهر أدلة التطور والسلف المشترك للإنسان.
0 تعليقات
اضف تعليق يدعم الموضوع