اتفق العلماء بالإجماع على أن الأرض كروية، ولكنها تبدو مسطحة للعين البشرية، لأنها كبيرة جدًا ولا يمكن رؤية تقوسها أو انحنائها من مسافات قريبة. فالشخص الذي يقف وينظر إليها يراها مسطحة، ولكن عند رؤيتها ككل، فهي في الواقع كروية.
قال ابن حزم رحمه الله: "دلائل القرآن والسنة تدل على أن الأرض كروية."
شكل الأرض في القرآن
الآية (تفسير المعنى): "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا" [نوح 71:19] تشير إلى أنها منبسطة ومُشَكَّلة بحيث يشعر الناس بالاستقرار عليها والقدرة على العيش والازدهار فيها.
قال ابن كثير: "أي بسطها ومهدها وجعلها ثابتة ووطدها بالجبال." (تفسير ابن كثير، 8/247)
وبالمثل، الآية (تفسير المعنى): "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا" [النبأ 78:6] تعني أنها منبسطة ومُعَدَّة لكم ولصالحكم، بحيث يمكنكم زراعتها وبناء المساكن فيها والسفر عبرها.
قال ابن كثير: "أي مهيئة للناس بحيث يعيشون فيها، وهي ثابتة مستقرة وطيدة." (تفسير ابن كثير، 8/307)
والآية (تفسير المعنى): "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ" [الحجر 15:19] تعني أننا بسطناها وألقينا فيها جبالًا ثابتة. وهذا مثل الآية التي يقول فيها الله (تفسير المعنى): "وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا" [الرعد 13:3].
لا يوجد تناقض بين القول بأن الأرض كروية والقول بأنها منبسطة، لأنها في الواقع كروية في مجملها، ولكنها تبدو مسطحة لمن يقف عليها وينظر إليها، كما تبدو للجميع.
قال الرازي رحمه الله: "فإن قيل: أليس قوله: "والأرض مددناها" يدل على أنها مسطحة؟ قلنا: نعم، لأن الأرض وإن كانت كروية، فهي كرة عظيمة، وكل جزء صغير من هذه الكرة العظيمة إذا نظر إليه، ظهر كأنه سطح مستو. فلما كان الأمر كذلك، زال ما ذكروه من الشبهة. والدليل عليه قوله تعالى: "والجبال أوتادا" مع أن هذه الجبال قد تكون لها أسطح مستوية واسعة. فكذا هاهنا." (تفسير الرازي، 19/131)
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "إذا كان علماء الإسلام يُصرحون بأن الأرض كروية، فماذا يقولون في قوله تعالى: "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"
بل خذ هذا أيها المشكك:
القرآن لم يتحدث عن شكل الأرض فقط، ولا عن حركاتها فقط، بل يقول أيضاً مراحل تكوين الأرض مع الآيات الكريمة:
أولاً: الآيات
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً} [النبأ: 6].
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30].
{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3].
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19].
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7].
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً} [نوح: 19].
{وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس: 6].
- المعاني
- السطح: ظهر البيت إذا كان مستوياً لانبساطه؛ معروف، وهو من كل شيء أعلاه! وسطح الله الأرض سطحاً: بسطها.
- البسط: نقيض القبض! والبساط ما بُسِط.
- الدحي: الدَّحْوُ: البَسْطُ. دحا الأرض يدحوها دحواً: بسطها.
- المهاد: الفِراش. وقد مَهَدْتُ الفِراشَ مَهْداً، المِهادُ أَجمع من المَهْد كالأَرض جعلها الله مهاداً للعباد.
- طحاها: طَحَاه طَحْواً وطُحُوّاً: بسطه.
- الفراش: فَرَشَ الشيء يفْرِشُه: بسَطَه. وقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً}؛ أي وطاءً لم يجعلها حَزْنةً غَليظة لا يمكن الاستقرار عليها.
العامل المشترك بين الفراش والمهاد والسطح والبساط هو أنها أشياء توضع فوق "الأرض" لتوفير الغاية المطلوبة، بينما يختص فعل الدحي بالمد والتوسع.
أما تفسير الآيات في كتب التفسير {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} في كتب التفسير: "جبل مُسَطَّح: إذا كان في أعلاه استواء"،
أما تفسير {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} يعني "والأرض دحوناها فبسطناها...".
الدليل على صدق القرآن في جبل مسطح أعلاه استواء.
- اعلم أن للأرض شكل عام وشكل خاص.
- أما عن الحركة، فسنتكلم عنها في موضوع جريان الشمس، وسنضع الرابط هنا.
بخصوص الشكل العام
يقول تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزمر: 5].
بخصوص الشكل الخاص
- الأرض بيضاوية (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [النازعات:30-33].
1
(دحاها) معناها مدها، لكن لها معانٍ أخرى، وفي هذه الآية دليل على كروية الأرض أيضاً، فكلمة (دحى) جاءت من الاستدارة وتحديداً استدارة البيضة. وأثناء عملية التبريد والدوران للأرض بدأ بخار الماء ينطلق من الحمم المنصهرة المقذوفة من باطن الأرض، وهذا ما تحدث عنه القرآن بـ (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا).
ولكن الجبال لم تكن قد تشكلت فهي في بداية تشكلها، فتشكل الجبال استغرق آلاف الملايين من السنين!
وعندما بدأت الأرض بالتبرد بدأت القشرة الأرضية بالتشكل، وبدأت هذه القشرة بالحركة لأنها تقوم أساساً على حمم منصهرة (آلاف الدرجات من الحرارة)! ونتج عن حركة أجزاء القشرة الأرضية اصطدام أجزاء هذه القشرة بعضها ببعض وبروز الجبال، ولكن هذه الجبال لها جذور تمتد لآلاف الأمتار في القشرة الأرضية تثبت هذه القشرة وتوازن الأرض خلال دورانها فهي كالمرساة للسفينة. وهنا نجد قول الله تعالى: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
وفي كل الأحوال فإن الأرض تدور وليست ثابتة، والجبال تسير في اتجاه السحاب وهي مثبتة في الأرض (أَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ).
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) [النمل: 88].
(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) تباعدت القارات (بانجيا). ولم نرَ أحداً من علماء المسلمين يُنكر مسألة شكل الأرض، وقال إنها شكل خماسي أو مربع مثلاً.
0 تعليقات
اضف تعليق يدعم الموضوع