مرحبا بكم في مدونة فَذَكِّرْ المدونة ملتقي للرد العلمي بكل إحترام للأشخاص وتوجاهتهم ودون تميز

كود اعلان

مساحة اعلانية احترافية

آخر المواضيع

حديث ارضاع الكبير - فتاوي مجمعة لبيان الواقعة وحكمها




 قصة سالم مولى أبي حذيفة، التي يستند إليها البعض للتشكيك في أحكام الرضاع، ليست كما يروجها المشككون. بل هي قصة متوهمة  وليست كما تروج
 قصة سالم مولى أبي حذيفة كانت في المدينة، في السنة الخامسة من الهجرة بعد نزول قوله تعالى: (‌ادْعُوهُمْ ‌لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)الأحزاب/5
.روى أبو داود (2061) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم سلمة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه ، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك : ( ادعوهم لآبائهم ) إلى قوله : ( فإخوانكم في الدين ومواليكم ) فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين 

، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا ، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه ، فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة ،



ملخص القصة 
التبني في الجاهلية: كان التبني شائعاً في الجاهلية، وقد تبنى أبو حذيفة سالماً، وكان يُعتبر  ابنا له ولزوجته 
تحريم التبني في الإسلام: لما جاء الإسلام، أبطل التبني،

مشكلة سهلة: كانت سهلة بنت سهيل زوجة لأبي حذيفة، وكانت تجد حرَجاً في التعامل مع سالم  لما  وصل سن العشرين  اذا  نزل اية الحجاب   وكان سالم ملازم للبيت بحكم كونه ابنهم بالتبني   ولكنها وجدت في نفس ابي حذيفة شيئا 
 
استشارة النبي صلى الله عليه وسلم: جاءت سهلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله  إذ كانت تخشى أن يقع في قلب زوجها شيء من الغيرة.

رخصة الرضاع: أمر النبي صلى الله عليه وسلم سهلة أن تُرضع سالماً، ليصبح بذلك ابنها من الرضاعة، ويزول الحرج.

فالحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت تعني ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوه، وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة 
 -  ونلاحظ  أن  غيرة  زوجها قد ذهبت - وهذا دليل انه  ما يروجه المشككين غير صحيح - فلا يعقل أنه كان يغار بمجرد  أنه  حرم التبني  واصبح غريبا -  ويقبل بمص صدر زوجته - فبالتاكيد كان هناك طريقة أخري 

 أما كيفيته،

فقد جاء في شرح الزرقاني على الموطأ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: صِفَةُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ أَنْ يُحْلَبَ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ، فَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ سَهْلَةَ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشْرَتَاهُمَا; إِذْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَةُ الثَّدْيِ وَلَا مَسُّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ.

أما الرئ الثاني فهو رأي إحتمالي فقط   مخالفا للجمهور  ومع ذلك فهو حالة خاصة 

 قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ. اهـ.

فظهر من هذا أن معنى الاحتمال الذي ذكره النووي -رحمه الله- أن المس حصل بالفعل، وأن ذلك كان رخصة لسالم خاصة، كما أنه حكم له بتحريم الرضاع له وهو كبير؛ رخصة له. وذلك اعتبارًا للحاجة وواقع حاله وحال مرضعته وزوجها، فقد كانوا جميعًا من أفاضل الناس وصالحيهم، وكان أبو حذيفة قد تبنى سالمًا في الجاهلية، فكان معه في بيته مع امرأته، يدخل عليهم كما يدخل الأبناء على آبائهم، ويعامل كما يعامَلون، فكان الترخيص في ذلك لما تقرر في أنفسهم وجرى في عادتهم من هذه المعاملة.

جاء في شرح الزرقاني على الموطأ أيضًا: كأنه أباح لها ذلك لما تقرر في نفسهما أنه ابنها وهي أمه، فهو خاص بهما لهذا المعنى. اهـ.

ومما استدل به أبو العباس القرطبي في (المفهم) على خصوصية سالم بذلك: قاعدة تحريم الاطلاع على العورة؛ فإنه لا يختلف في أن ثدي الحرة عورة، وأنه لا يجوز الاطلاع عليه، لا يقال: يمكن أن يرتضع ولا يطلع؛ لأنا نقول: نفس التقام حلمة الثدي بالفم اطلاع، فلا يجوز. اهـ.

يعني أن هذا الفعل جاز لسالم وحده، رخصة له ولسهلة بنت سهيل وزوجها أبي حذيفة، ولا يجوز فعل ذلك لأحد غيره.
وذكر ابن العراقي في (طرح التثريب) طرفًا من أقوال أهل العلم في ذلك، ثم قال: والحق ما ذكرناه أولًا من شربه محلوبًا. 

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/303982


وكانت عائشة ترى رضاعة الكبير تحرِّم . ويروى هذا عن عطاء والليث , وداود  

وكانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات ، ثم يدخل عليها ، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس

- فقد كانت السيدة عائشة - السيدة حفصة وجمع من الصحابية يجيز  ذلك للحالات المشابهة   الا أن الجمهور علي خلاف ذلك 
معناه أن رضاع الكبير ينشر الحرمة عندها كما ذكرنا -فمن أرضعته أختها أو إحدى بنات أختها يكون ابن أختها من الرضاعة- ومعلوم أن ابن الأخت من الرضاعة يكون محرماً عند الجميع، كما في قول الله تعالى: وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ {النساء:23}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة. متفق عليه، وهؤلاء الذين يدخلون عليها يدخلون ليرووا عنها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلون وهي في كامل سترها.

 ولبيان  خصوصية القصة  واستحالة تكرراها 
جاء في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي [ ص: 366 ]
رضاع الكبير حرم عند جواز التبني ؛ لأن سلمة وأبا حذيفة تبنيا سالما ، وكان التبني مباحا ، وكانا يريان سالما ولدا فلما حرم التبني ، ونزل الحجاب حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرضاع عن تبنيه المباح ليعود به إلى التبني الأول فلما نسخ الله تعالى حكم التبني بقوله تعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم [ الأحزاب : 5 ] سقط ما يتعلق به من رضاع الكبير ؛ لأن الحكم إذا تعلق بسبب ثبت بوجوده وسقط بعدمه فصار رضاع الكبير غير  محرم لعدم سببه
والمعني أنه لا يوجد الأن  تبني  حتي يتكرر الحكم - ومات الاستثناء مع موت سالم 
 ثم انها كانت خاصة ففضلا عن التبني فهذا مولي ابي حذيفة ولا يوجد موالي في عصرنا  الأن  
وقد جاءت آثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر ، فمن ذلك:

1- ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فسألته ، فقال : حرمت عليك . قال : فقام وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى فقال : ما أفتيت هذا ؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود ، وأخذ بيد الرجل : أرضيعاً ترى هذا ؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم ، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم . رواه عبد الرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
ورواه أبو داود (2059) عن ابن مسعود بلفظ : (لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم .
 فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحَبْر فيكم) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .


2- وروى مالك في الموطأ (2/603) عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال : (لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير) .

3- وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير ، فقال عبد الله بن عمر : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني لي وليدة [جارية] وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها ، فدخلت عليها فقالت : دونك ، فقد والله أرضعتها . فقال عمر : أوْجِعْها وأْتِ جاريتك ، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير . وإسناده صحيح .


ولهذا قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8/142) : "من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين . وهذا قول أكثر أهل العلم , روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة . وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك وروي عنه : إن زاد شهرا جاز , وروي شهران .

فمذهب الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم أن رضاع الكبير لا يحرم وذهبت عائشة وبقولها قال ابن حزم: إلى أن رضاع الكبير يحرم مستدلة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة فقال: (أرضعيه تحرميه عليك) وفي رواية (أرضعيه حتى يدخل عليك) وفي رواية أنها قالت له (وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (قد علمت أنه رجل كبير). والحديث في صحيح مسلم وغيره. وفي الموطأ والمسند وسنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال. والحديث طويل وفيه فوائد وهو صحيح. واستدل الجمهور بقول الله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة. وبما في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الرضاعة من المجاعة) والكبير لا تسد الرضاعة جوعته. وقالوا إن القصة التي استدلت بها عائشة خاصة بامرأة أبي حذيفة كانت تقول: (أبت سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة وقلن لعائشة والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو داخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رأينا وقد ذكر ابن تيمية في الفتاوى ج34ص60 توضيحاً لمذهب عائشة يجمع بين هذه الأدلة فقال: وهذا الحديث أخذت به عائشة وأبى غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذن به مع أن عائشة روت عنه قال: (الرضاعة من المجاعة) لكنها رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة أو تغذية فمتى كان المقصود الثاني لم يحرم إلا ما كان قبل الفطام وهذا هو إرضاع عامة الناس وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها وهذا قول متوجه. انتهى بحروفه منه.

وبما ذكرته لك تعلم أن هذه المسألة مختلف فيها ، ولا شك أن الراجح فيها قول الجمهور فلا ينبغي لأحد العدول عنه خصوصاً أن من أهل العلم من حكى عليه الإجماع، وحادثة سالم كانت معالجة لظرف كان موجوداً قبل الإسلام وهو التبني وقد حسمه الإسلام فلا يعقل تكرره إلا في من أسلموا حديثاً وكان هذا الظرف موجوداً عندهم. والله تعالى أعلم.

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/3901

وقد جاء رواية لابن سعد في سندها الواقدي أن سالما شرب اللبن الذي حلبته له سهلة، فقد روى ابن سعد في طبقاته: قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة. اهـ.

وقال أبو عمر في التمهيد: إرضاع الكبير كما ذكر: يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل، فلا لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء، وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة وإن لم يمصه من ثديه... اهـ.

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ بمحلها عنده، وما أحب من ائتلافهما، ونفي الوحشة عنهما ـ أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، ويطيب نفسه بدخوله، فقال لها: أرضعيه ـ ولم يرد: ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال، ولكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه، ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له وما لا يؤمن معه من الشهوة؟. اهـ.

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/211900

رضاعة الكبير لا تثبت المحرمية عند جمهور العلماء.

أدلة الجمهور:

  • حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام".
  • أقوال الصحابة: روي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم أنهم قالوا: "لا رضاعة إلا في الصغر".
  • القياس: الرضاعة إنما هي غذاء للطفل، والكبير لا يحتاج إلى ذلك.

قصة سالم مولى أبي حذيفة:

  • سالم كان مولى لأبي حذيفة، وكانت زوجة أبي حذيفة أرضعته ليصبح ابناً لها من الرضاعة.
  • وقد أخذت عائشة رضي الله عنها – وحفصة أيضا - بهذا الحديث ، ولم تره خاصا بسالم ، وأبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .

  • بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خالفن عائشة في ذلك، وقلن: هذا خاص بسالم، ولا يجوز لغيره.

الخلاصة:

  • جمهور العلماء على أن رضاعة الكبير لا تثبت المحرمية، وأن قصة سالم كانت خاصة به.
  • بعض العلماء يرون أن رضاعة الكبير تثبت المحرمية إذا كانت هناك حاجة إليها، كما في قصة سالم
  • وقال أبو عمر في التمهيد: إرضاع الكبير كما ذكر: يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل، فلا لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء، وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة وإن لم يمصه من ثديه...


يراجع الفتاوي  التالية 
أولا :
الرضاع المحرِّم لا يتوقف على مص اللبن من الثدي ، بل لو وضع في إناء وشرب منه الطفل ، كان ذلك رضاعا معتبرا في قول جمهور العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال الشافعي : ( والسَّعُوط كالرضاع , وكذلك الوَجُور ) .
معنى السعوط : أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره . والوجور : أن يصب في حلقه صبا من غير الثدي . واختلفت الرواية في التحريم بهما , فأصح الروايتين أن التحريم يثبت بذلك , كما يثبت بالرضاع . وهو قول الشعبي والثوري , وأصحاب الرأي . وبه قال مالك في الوجور . والثانية : لا يثبت بهما التحريم . وهو اختيار أبي بكر , ومذهب داود وقول عطاء الخراساني في السعوط ; لأن هذا ليس برضاع , وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع .
ويدل على ثبوت التحريم بهما ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا رضاع إلا ما أنشز العظم , وأنبت اللحم) رواه أبو داود . ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع , ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع , فيجب أن يساويه في التحريم " انتهى من "المغني" (8/139) بتصرف .
وقال في "الكافي" (5/65) : " إذا حلبت في إناء دفعة واحدة ، أو في دفعات ، ثم سقته صبيا في خمسة أوقات ، فهو خمس رضعات ، وإن سقته في وقت واحد ، فهو رضعة واحدة ، لأن الاعتبار بشرب الصبي ، فإن التحريم يثبت به ، فاعتبر تفرقه واجتماعه " انتهى .
ثانيا :
لا يثبت التحريم برضاع الكبير ، في قول جمهور الفقهاء ، وإنما الرضاع المعتبر ما كان في الحولين .
وقد روى الترمذي (1072) وابن ماجه (1936) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ ) قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى البخاري (2453) ومسلم (1455) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ . قَالَ : ( يَا عَائِشَةُ ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ ) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " وَالْمَعْنَى : تَأَمَّلْن مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ رَضَاع صَحِيح بِشَرْطِهِ : مِنْ وُقُوعه فِي زَمَن الرَّضَاعَة , وَمِقْدَار الِارْتِضَاع ، فَإِنَّ الْحُكْم الَّذِي يَنْشَأ مِنْ الرَّضَاع إِنَّمَا يَكُون إِذَا وَقَعَ الرَّضَاع الْمُشْتَرَط .
قَالَ الْمُهَلَّب : مَعْنَاهُ : اُنْظُرْنَ مَا سَبَب هَذِهِ الْأُخُوَّة , فَإِنَّ حُرْمَة الرَّضَاع إِنَّمَا هِيَ فِي الصِّغَر حَتَّى تَسُدّ الرَّضَاعَة الْمَجَاعَة .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جَاعَ كَانَ طَعَامه الَّذِي يُشْبِعهُ اللَّبَن مِنْ الرَّضَاع لَا حَيْثُ يَكُون الْغِذَاء بِغَيْرِ الرَّضَاع .
قَوْله ( فَإِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة ) فِيهِ تَعْلِيل الْبَاعِث عَلَى إِمْعَان النَّظَر وَالْفِكْر , لِأَنَّ الرَّضَاعَة تُثْبِت النَّسَب وَتَجْعَل الرَّضِيع مُحَرَّمًا . وَقَوْله " مِنْ الْمَجَاعَة " أَيْ الرَّضَاعَة الَّتِي تَثْبُت بِهَا الْحُرْمَة وَتَحِلّ بِهَا الْخَلْوَة هِيَ حَيْثُ يَكُون الرَّضِيع طِفْلًا لِسَدِّ اللَّبَن جَوْعَته , لِأَنَّ مَعِدَته ضَعِيفَة يَكْفِيهَا اللَّبَن ، وَيَنْبُت بِذَلِكَ لَحْمه فَيَصِير كَجُزْءٍ مِنْ الْمُرْضِعَة ، فَيَشْتَرِك فِي الْحُرْمَة مَعَ أَوْلَادهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا رَضَاعَة مُعْتَبَرَة إِلَّا الْمُغْنِيَة عَنْ الْمَجَاعَة ، أَوْ الْمُطْعِمَة مِنْ الْمَجَاعَة " انتهى .


وقد جاءت آثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر ، فمن ذلك:

1- ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فسألته ، فقال : حرمت عليك . قال : فقام وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى فقال : ما أفتيت هذا ؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود ، وأخذ بيد الرجل : أرضيعاً ترى هذا ؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم ، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم . رواه عبد الرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
ورواه أبو داود (2059) عن ابن مسعود بلفظ : (لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم .
 فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحَبْر فيكم) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .


2- وروى مالك في الموطأ (2/603) عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال : (لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير) .

3- وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير ، فقال عبد الله بن عمر : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني لي وليدة [جارية] وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها ، فدخلت عليها فقالت : دونك ، فقد والله أرضعتها . فقال عمر : أوْجِعْها وأْتِ جاريتك ، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير . وإسناده صحيح .


ولهذا قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8/142) : "من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين . وهذا قول أكثر أهل العلم , روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة . وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك وروي عنه : إن زاد شهرا جاز , وروي شهران .

وقال أبو حنيفة : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا ; لقوله سبحانه : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) . ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء ; لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال .
وقال زفر : مدة الرضاع ثلاث سنين .

وكانت عائشة ترى رضاعة الكبير تحرِّم . ويروى هذا عن عطاء والليث , وداود " انتهى .
وقد ذهب إلى القول الآخر ، وهو تأثير الرضاعة في الكبر : عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، وروي عن علي رضي الله عنه وفي إسناده ضعف . ونسبه الطبري إلى : عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، والقاسم بن محمد وعروة . وهو قول عطاء والليث بن سعد وابن حزم ، وينسب إلى داود الظاهري أيضا ، ومال إليه ابن المواز من المالكية .
انظر : "فتح الباري" (9/148) .


ثالثا :
استدل القائلون بتأثير الرضاع في الكبر بما روى مسلم (1453) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ .
وفي رواية لمسلم أيضا : (فقالت : إنه ذو لحية . فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة) .
وكان أبو حذيفة قد تبنى سالما ، قبل أن ينزل تحريم التبني .
ولم يبين الحديث كيف ارتضع سالم ،

 قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قوله صلى الله عليه وسلم ( أرضعيه ) قال القاضي : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما . وهذا الذي قاله القاضي حسن ، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم " انتهى .

وقد أخذت عائشة رضي الله عنها – وحفصة أيضا - بهذا الحديث ، ولم تره خاصا بسالم ، وأبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
فقد روى مسلم (1454) عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ، وَلَا رَائِينَا .

وروى أبو داود (2061) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا ، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيرَاثَهُ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا ، وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَيَرَانِي فُضْلًا ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ ، فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ ، فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ .
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .


وقد أجاب الجمهور عن هذا حديث سالم بأن ذلك كان خاصاً به ، كما هو قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنه منسوخ .
وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين القولين ، واختار أن رضاع الكبير لا يؤثر ولا يعتبر ، إلا عند الحاجة إليه .
قال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام" (2/313) : " والأحسن في الجمع بين حديث سهلة وما عارضه : كلام ابن تيمية , فإنه قال : إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه ، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة ، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثّر رضاعه . وأما من عداه , فلا بد من الصغر . انتهى . فإنه جمع بين الأحاديث حسن ، وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص , ولا نسخ , ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث " انتهى .
وإلى هذا الجمع ، ذهب ابن القيم أيضا رحمه الله ، وقال : " وهذا أولى من النسخ ، ودعوى التخصيص بشخص بعينه ، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين . وقواعد الشرع تشهد له والله الموفق " انتهى من "زاد المعاد" (5/593).
رابعا :
الذي عليه الفتوى عند كثير من أهل العلم المعاصرين ، أن رضاع الكبير لا يفيد التحريم . وبهذا أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله ، واللجنة الدائمة للإفتاء، ورأوا أن حديث سالم خاص به.
انظر : "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (22/264) ، "فتاوى اللجنة" (21/41، 102) .
واختار الشيخ ابن عثيمين أن حديث سالم ليس خاصاً به ، ولكنه ينطبق على مَنْ حاله تشبه حال سالم ، وهذا لا يمكن الآن ، لأن التبني قد حرمه الله تعالى ، وبهذا يتفق هذا القول مع قول جماهير العلماء بأن رضاع الكبير لا يثبت به التحريم الآن .
قال رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/435، 436) :
"وعندي : أن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً ، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه .. وهذا غير ممكن ، لأن التبني أُبطل ..
والخلاصة : أنه بعد انتهاء التبني نقول : لا يؤثر إرضاع الكبير ، بل لابد أن يكون في الحولين ، وإما أن يكون قبل الفطام ، وهو الراجح" انتهى باختصار .
والله أعلم .

رضاع الكبير لا يؤثر ولا تثبت به المحرمية ، وهذا هو قول جماهير أهل العلم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ ) رواه الترمذي (1072) وابن ماجه (1936) .

ولم ترضع عائشة رضي الله عنها وأرضاها أحدا ؛ وأما سالم فقد كان مولى لأبي حذيفة وأرضعته زوجة أبي حذيفة ليكون ابنا لها من الرضاعة .

فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ) فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ "رواه مسلم (1453) .

قال عروة بن الزبير عن خالته عائشة :

"فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا " انتهى من "سنن داود" (2061) .

وقد خالفت عائشة رضي الله عنها –وحفصة أيضا- في ذلك جمهور الصحابة ونساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد رأوه حالة خاصة بسالم يجب أن لا تعمم .

فقد روى مسلم (1454) عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ : " أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ، وَلَا رَائِينَا " .

قال ابن عبد البر ، بعد رواية حديث عائشة ، في قصة سالم مولى أبي حذيفة :

" قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ ، رَهْبَةً لَهُ ، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ . قَالَ : حَدِّثْ بِهِ ، عَنِّي ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ - .

قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ تُرِكَ قَدِيمًا ، وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ ، وَلَمْ يَتَلَقَّهُ الْجُمْهُورُ بِالْقَبُولِ عَلَى عُمُومِهِ ؛ بَلْ تَلَقَّوْهُ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمِمَّنْ قَالَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ (مِمَّنْ رَوَيْنَاهُ لَكَ عَنْهُ وَصَحَّ لَدَيْنَا) : عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَسَائِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ عَائِشَةَ ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ ، وَجَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ .

وَمِنْ حُجَّتِهِمْ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ ) ، وَ: ( لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ ) . " انتهى، من "التمهيد" (8/260) .

وينظر جواب السؤال رقم (85115) ورقم (179042).

ثانيا :

لا يُعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى أحدا غير زيد بن حارثة فقط ، وكان هذا قبل تحريم التبني ، وكان يسمى بـ " زيد بن محمد ".

ثم أبطل الله تعالى التبني بقوله : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/ 5 .

فنُسب زيد إلى أبيه " حارثة " ، وذُكر أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالما ، فلما نزل التحريم رجع عن ذلك . ينظر سير أعلام النبلاء (1/167) .

قال ابن حجر : "وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، لِأَنَّهُ لَازَمَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بَعْدَ أَنْ عُتِقَ ، فَتَبَنَّاهُ ، فَلَمَّا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ ، قِيلَ لَهُ مَوْلَاهُ" انتهى من "فتح الباري" (2/186) .

وينظر جواب السؤال (126003) .

https://islamqa.info/ar/answers/281166


استدل القائلون بتأثير الرضاع في الكبر بما روى مسلم (1453) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ .
وفي رواية لمسلم أيضا : (فقالت : إنه ذو لحية . فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة) .
وكان أبو حذيفة قد تبنى سالما ، قبل أن ينزل تحريم التبني .
ولم يبين الحديث كيف ارتضع سالم ، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قوله صلى الله عليه وسلم ( أرضعيه ) قال القاضي : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما . وهذا الذي قاله القاضي حسن ، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم " انتهى .
وقد أخذت عائشة رضي الله عنها – وحفصة أيضا - بهذا الحديث ، ولم تره خاصا بسالم ، وأبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
فقد روى مسلم (1454) عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ، وَلَا رَائِينَا .
وروى أبو داود (2061) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا ، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيرَاثَهُ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا ، وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَيَرَانِي فُضْلًا ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ ، فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ ، فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ .
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقد أجاب الجمهور عن هذا حديث سالم بأن ذلك كان خاصاً به ، كما هو قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنه منسوخ .
وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين القولين ، واختار أن رضاع الكبير لا يؤثر ولا يعتبر ، إلا عند الحاجة إليه .
قال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام" (2/313) : " والأحسن في الجمع بين حديث سهلة وما عارضه : كلام ابن تيمية , فإنه قال : إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه ، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة ، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثّر رضاعه . وأما من عداه , فلا بد من الصغر . انتهى . فإنه جمع بين الأحاديث حسن ، وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص , ولا نسخ , ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث " انتهى .
وإلى هذا الجمع ، ذهب ابن القيم أيضا رحمه الله ، وقال : " وهذا أولى من النسخ ، ودعوى التخصيص بشخص بعينه ، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين . وقواعد الشرع تشهد له والله الموفق " انتهى من "زاد المعاد" (5/593).
رابعا :
الذي عليه الفتوى عند كثير من أهل العلم المعاصرين ، أن رضاع الكبير لا يفيد التحريم . وبهذا أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله ، واللجنة الدائمة للإفتاء، ورأوا أن حديث سالم خاص به.
انظر : "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (22/264) ، "فتاوى اللجنة" (21/41، 102) .
واختار الشيخ ابن عثيمين أن حديث سالم ليس خاصاً به ، ولكنه ينطبق على مَنْ حاله تشبه حال سالم ، وهذا لا يمكن الآن ، لأن التبني قد حرمه الله تعالى ، وبهذا يتفق هذا القول مع قول جماهير العلماء بأن رضاع الكبير لا يثبت به التحريم الآن .
قال رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/435، 436) :
"وعندي : أن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً ، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه .. وهذا غير ممكن ، لأن التبني أُبطل ..
والخلاصة : أنه بعد انتهاء التبني نقول : لا يؤثر إرضاع الكبير ، بل لابد أن يكون في الحولين ، وإما أن يكون قبل الفطام ، وهو الراجح" انتهى باختصار .
والله أعلم .
المصدر 

 ذكر البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن أبا حذيفة وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى سالماً وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله تعالى: أدعوهم لآبائهم. فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث.

وقد ذكره الإمام مالك تحت عنوان (ما جاء في الرضاعة بعد الكبر) ليبين حكم الشرع في ذلك ومذاهب أهل العلم فيه، ثم ذكر في هذا الباب أن جمهور أهل العلم من الصحابة يذهبون إلى أن الرضاعة لا يحرم منها إلا ما كان في الحولين -الذين هما مدة الرضاعة- ومن هؤلاء عمر وابن مسعود وأم سلمة كما في الآثار التي ذكرها مالك في الموطأ بعد الحديث المذكور مباشرة وأن هذه القصة خاصة بسهلة دون غيرها، وأن مذهب عائشة رضي الله عنها أن رضاع الكبير ينشر الحرمة مستدلة بالحديث المذكور، وكان ذلك مذهب أبي موسى الأشعري ورجع عنه إلى قول ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وهو مذهب أهل الظاهر، وقد استقرت مذاهب أهل السنة على أن رضاع الكبير لا يحرم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن من حالتها كحالة سهلة يجوز لها أن تستعمل رضاع الكبير، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 3901.

وأما فهمك في الحديث فإنه فهم خاطئ وغلط بين فإن قوله (فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال) معناه أن رضاع الكبير ينشر الحرمة عندها كما ذكرنا -فمن أرضعته أختها أو إحدى بنات أختها يكون ابن أختها من الرضاعة- ومعلوم أن ابن الأخت من الرضاعة يكون محرماً عند الجميع، كما في قول الله تعالى: وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ {النساء:23}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: الرضاعة تحرم ما تحرم الولادةمتفق عليه، وهؤلاء الذين يدخلون عليها يدخلون ليرووا عنها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلون وهي في كامل سترها.

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/93845



إرسال تعليق

0 تعليقات

مساحة اعلانية احترافية
مساحة اعلانية احترافية
مساحة اعلانية احترافية